الرد عَلَى أهل الشبه في القديم والحديث في أي زمان ومكان إنما يكون بالكتاب والسنة أو بما دل عليه الكتاب والسنة ثُمَّ يقول الشَّافِعِيّ: " لقد اطلعت من علم أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلماً يقوله" بل وصل الأمر بهم إِلَى إنكار جميع أسماء الله وصفاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ بل وصل الأمر بالغلاة من الجهمية والقرامطة إِلَى أن يقولوا: لا نقول موجود ولا غير موجود، وهذا الكلام الذي يقوله فلاسفة اليونان.
وكان يقول أفلاطون: الله تَعَالَى كامل والكامل لا يفكر في الناقص فإذا قلنا: إن الله يعلم أحوال النَّاس أو يطلع عليها أو يراقبها أو يحصيها فنكون قد انتقصنا الله، وهذا لا يقوله إلا الزنديق المجوسي أو اليوناني المشرك الوثني.
ثُمَّ يقول الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه -ما خلا الشرك بالله- خير له من أن يبتلى بالكلام". فجعل الشرك بالله والاشتغال بالكلام في منزلة واحدة؛ لأن الفتنة بهما هي أعظم أنواع الفتنة؛ فالشرك أعظم الذنوب؛ لأنه توجه بالعبادة لغير الله، فهو شرك في الطلب والإرادة والقصد، والاشتغال بعلم الكلام شرك في الأسماء والصفات، وصاحبه يصرف النَّاس عن معرفة الله المعرفة الحقيقية إِلَى الضلالات والبدع والآراء الباطلة.
ثُمَّ يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [وتجد أحد هَؤُلاءِ عند الموت يرجع إِلَى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا به، ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك التي كَانَ يقطع بها، ثُمَّ تبين له فسادها أو لم يتبين له صحتها] كما قال أبو المعالي الجويني: وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة أمي، أو وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة عجائز نيسابور -البلد التي كَانَ فيها-.
فغاية ما في الأمر أن الواحد منهم عند الموت يقول: أنا أموت عَلَى دين العجائز، أما الدقائق والغوامض التي ألفوا وأفنوا الأعمار فيها فهي إما قد ظهر لهم فسادها، وإما أنهم غير متأكدين من صحتها، مع أنهم كانوا في حياتهم يجزمون بها ويوالون ويعادون عليها كانوا يقولون: هذا هو الكتاب وهذا هو الحكم من لم يعتقده فليس عَلَى عقيدة الإسلام الصحيحة.